وهناك أعمال لا غنى عنها لكل شبابنا من المبدعين منها كتابات هذا الرجل الذى عاش 44 عاماً وكتب كل هذا الإبداع الخالد ، أنا تعلمت منه الكثير وكان "أيونا" .. هو أول اسم غريب احفظه منذ أيام المراهقة وحتى اليوم ، فهذا هو سائق الحنطور الغلبان بطل قصة "الوحشة " الذى مات ابنه ولم يجد أحداً يشاركه وجع قلبه ومرارة وجدانه،وكلما ركب زبون قال له : "ابنى مات هذا الصباح" ، " مات ابنى .. ياسيدى ، مات هذا الاسبوع! "وفى كل مرة يتقاطر الحزن من الحروف وفى كل دمعة يتأكد ( الحوذى ) الذى هو سائق الحنطور أن وجيعته ستظل حبيسة روحه وقلبه مهما تغيرت طريقته فى سرد الحكاية البسيطة ومهما تبدلت وجوه الزبائن، سيظل وحيداً يعانى ويتألم ،وهكذا تشيكوف ابن العفاريت ، وفى قصة مشابهة لا تزيد عدد كلماتها عن 670 كلمة أذهل العالم بموت الموظف الذى عطس ،والعطس ليس محظورا على أحد، إذ يعطس الفلاحون ورجال الشرطة،بل وحتى أحيانا المستشارون السريون،الجميع يعطس ،لكن بطل تشيكوف ظل خالداً من 1885 حتى اليوم، فى رسائله إلى ماكسيم جوركى يكشف تشيكوف أحد أسرار خلود هذا النوع من الكتابة ،النصائح الموجعة التى يوجهها إلى جوركى وإلى عموم محترفى وهواة الكتابة هى التى طبقها على نفسه قبل أن ينصحنا بها ، "الحذف سيد العبارة "، وتحمل الرسائل خبرات رجل عاش مائة عام رغم أن تشيكوف المسكين مات وهو لم يتجاوز الرابعة والأربعين ، يقول لجوركى فى واحدة منها :" .. عندما تقرا مسودات كتابك قبل الطبع ،احذف ما يمكنك منه ،إن القارىء يفهمنى عندما أقول "جلس الرجل على العشب" انه يفهم ذلك لأنه جلى واضح ولا يعيق الانتباه خلافا لذلك فإنى أُرهق القارىء".
..
..