قراءة انطباعية في مجموعة سمير الفيل " ذئاب مارقة ".

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قراءة انطباعية في مجموعة سمير الفيل " ذئاب مارقة ".

    قراءة انطباعية في مجموعة سمير الفيل " ذئاب مارقة "..
    ثمة علاقة جدلية بين الكاتب وبين قضايا عصره ،والتي تتميز بالتحول ونقض الثبات؟!

    بقلم : ابراهيم الديب.

    رائع أن نلتمس الكاتب من نصوصه سواء الأدبية منها أو الفكرية فمن يمعن النظر في كتابات سمير الفيل ليستطيع أن يسبر أغوار شخصيته ويغوص بداخلها ، بل يتعدى التماس شخصية المبدع إلى معظم الفنون التي يبدعها ،منها على سبيل المثال الرسم والموسيقى ، والأجمل أن نلتمس العصر الذي كتبت فيه هذه النصوص أيضاً بداخل إبداع الكاتب وكأنه تخطى الأدب ليصبح وثيقة اجتماعية ،بما تضطرب به نفوس أبناءه, من آمال واحلام فهي علاقة جدلية بين الأديب وبين عصره تأثراً به وتأثيرا فيه، فالكاتب أو الأديب لا ينشأ في فراغ فهو لا يعيش خارج الزمان والمكان فليس هناك كاتب نقي بالمطلق بدون تأثير مسبق فتاريخ الكتابة وتراثها العريض يغوي على التقليد ولكن سمير الفيل ، خلص إلى أسلوب في الكتابة خاص به ، بمثابة بصمة تميزه عن غيره .
    هذا ما نقرأه بصورة جلية في مجموعة "ذئاب مارقة" للأديب سمير الفيل فكما يقول هردر فيلسوف القومية الألمانية" أن كل أمة تتحدث بالطريقة نفسها التي تفكر بها، وتفكر بالطريقة نفسها التي تتحدث بها" فكذلك يفعل سمير الفيل : التي تقع كتاباته القصصية في المنطقة الوسطي ما بين القصة الكلاسيكية والكتابات التي عرفت ،أو يطلق عليها كتابات ما بعد الحداثة فهو يستخدم الرمز والإشارة بحدود لا يبتعد عن الواقع كثيراً، ذلك حتى يغرق في الخيال، و لذلك ظل محتفظا بخيوط القص الذي يحافظ علي وظيفته الأساسية وهي الحكي، كعنصر أساسي في النص، وهذا ما قربه من القارئ العادي ,الذي هجر قراءة القصة بعدما مال أصحابها نحو التعقيد في الأسلوب واللغة تقليدا للنماذج المعاصرة، والتي يقتصر الاهتمام بها علي النخبة الثقافية، فهو يعتبر نفسه كاتب الشرائح الدنيا من المجتمع ، تجسد كتاباته القصصية حياة البسطاء و الطبقة المهمشة.
    ولدى سمير الفيل أيضاً قدرة على تحويل البسيط والعادي والعابر في الحياة، لمواضيع شديدة الحيوية والثراء بمضامينها الإنسانية كما فعل في قصة "حمدي بسبس" وقصة" الكنبة الجلد" وقصة " عجوز الميكروباص" وقصة" المروحة" وغيرهما من قصص هذه المجموعة تندهش بعد قراءتها كيف حول هذه الفتافيت التي قد لا يلتفت إليها الكثير من الكتاب ولا يعيروها أدني اهتمام لقصص قصيرة تعكس بداخل سطورها المجتمع بتحولاته، و بكل ما يموج به من آلام وأحلام، هو ليس انعكاس المرآة ولكن انعكاس همومنا على نفس الكاتب سمير الفيل ، الذي يتصيد لقطات ومشاهد ومواقف حياتية لا نشعر أنها تستحق الالتفات إليها، فتنعكس على موهبته الأدبية الأصيلة لتصنع منها هذه الموهبة عالما إبداعيا، وضعه في الصف الأول لكتاب القصة القصيرة.
    و استطاع أيضاً من خلال استخدام لغة بسيطة تجمع بين الفصحى والعامية ،وتناوله قضايا تهم القارئ والمثقف العادي من اقتناص اهتمام الغالبية لقراءة المزيد من أعماله الإبداعية وأعتقد أن هذه محاولة منه ومن كثير من الأدباء حاليا ، الذين يحاولون إعادة الزخم الذي فقده فن القصة في الآونة الأخيرة. وهذه قراءة لبعض قصص مجموعة " ذئاب مارقة"..
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    قصة " انسحاب منظم "
    اعتقد أن هذه القصة تتناول شباب دول الجنوب الفقير الذي لا يري في الغد امل لتحقيق طموحاته إن ظل في وطنه الذي يدور في فلك الغرب، أو دول الشمال الغني فقرر هذا الشباب وخاصة من يعيش منه تحت فكرة "فاز باللذة كل مغامر ومات بالحسرة كل جبان" الى ركوب المجهول يتمتع بروح المغامرة ليحقق حلما يراوده ، ولكن هؤلاء الشباب أغلبهم لا يتمكن من الذهاب إلى دول الشمال بالطرق الشرعية لضيق ذات اليد وأسباب أخرى فيكون قرارا بالفرار بالأحلام العريضة التي يؤمل نفسه تحقيقها يوماً في مكان تحت الشمس على قطعة أرض على اليابسة ، فهذه الفترة من العمر يرى فيها الشاب أن الدنيا لا تتسع لآماله، وأن العمر لا يكفي لتحقيق أحلامه، مؤمن في قرارة نفسه كما يقول فلاسفة الوجود الحياة مغامرة أو مقامرة كبري يستحق كل موجود بشري أن يحياها لحسابه الخاص ..
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    "قصة المروحة"
    وهي قصة تسرد حكاية وتصور في مشهد قصة رجل تزوج ثلاث مرات وتقدم للرابعة وعندما سأل والد الفتاة ووالدتها أقارب العريس عن ظروف زيحاته وسبب فشلها اتضح أنهم ليسوا أقاربه ولكنهم يعملون معه في الشركة هم أبرع موظفيها والرسالة التي أراد المؤلف إيصالها للقارئ أن هؤلاء الموظفين تتمثل براعتهم في الكذب وتبرير موقف الزوج وإظهاره بصورة الضحية والمجني علبه من ثلاث زوجات هن السبب الرئيسي في الفشل ولكن الأب بحسه وذكائه الفطري قبل منطق العقل كشف الجميع واغلق المروحة التي تخفف من قيظ اغسطس الذي يعبر دورانها إشارة على استمرار الحديث وأن القسمة والنصيب ما زالت فرصتها قائمة، ولكن الأب قرر بيع المروحة وبذلك يغلف الموضوع برمته و عندما سألته بنته لماذا لم تصفق وهي الإشارة للدخول لبشاهدها العريس وأقاربه ..
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    قصة "ربنا يتمم بخير"
    التي غالباً تدور أحداثها في القطر المصري بأكمله عندما يشاهد أحد الشباب فتاة ويسأل عن عائلتها ويذهب لخطبتها وتكون لهذه الفتاة شقيقة ليست جميلة فتقوم هذه الأسرة بتقديم أختها على أنها البنت التي شاهدها وهذا ما حدث لربيع كامل البلبوص عندما ذهب مع عائلته لبيت الفتاة وتم تصوير المشهد ورسم كل شخصية منهما على حدة، المواقف والمفارقات كانت حاضرة بقوة في هذا المشهد و هي ما كشفت لربيع البلبوص أنها ليست الفتاة التي شاهدها وخطفت قبله وجعلته يأتي بعائلته لخطبتها.. ربما كانت دلالة لقب ربيع البلبوص أي العاري ، أن هذا الموقف حول العائلتين لعري نفسي أسقطه المؤلف من عرى البلبوص الحسي، بعد اكتشاف ربيع عملية التدليس جعلت كل من الطرفين يتخلى عن تحفظه وتحدث بجرأة تنم اتهام ربيع عائلة ربيع لأسرة الفتاة بالتدليس عليهم قبل فرار ربيع ..
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    قصة "عجوز الميكروباص "
    وهي من أجمل قصص المجموعة من وجهة نظري لأنها تعالج السلبية المتفشية في مجتمعنا التي بسببها جعلت من سائق الميكروباص الأرعن المتخلف بسلوكه المنحط الذي يجسد سلوك قاع المجتمع ، الذي يمارسه مع الركاب ليل نهار هذه النوعية من السائقين إلا بعض الاستثناءات القليلة ليعترض عجوز الميكروباص أو الراكب الذي رفض الإهانة بعد أن بلع الاهانة وتغاضي عن ذلك أكثر من مرة، ولكن سلوك السائق المستفز هو الذي اضطر العجوز لشق رأسه بعصاه التي يتوكأ عليها وله فيها مأرب أخرى، بعد أن فاض به الكيل.
    تتخطي هذه القصة غيرها؛ فقد رسمت كل الشخصيات بدقة شديدة وردود أفعالها المنطقية من خلال السرد. الحادثة الفردية لتعبر عما يدور في كل قرية ومدينة وكل بقعة على أرض مصر أما الأجمل فهي لحظة التنوير التي جعلت العجوز هو من يثور لتغيير الواقع القبيح وفي هذه دلالة اهانة لمن هو أصغر منه سنا وابتلع الإهانة ولم ينتفض لكرامته فكان درس العجوز العملي بشق رأس السائق درسا قاسيا لكل ركاب الميكروبات أو سكان مصر .
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    قصة "شجرة الليمون"
    التي تناولت علاقة الرجل الحميمية بشريكة حياته عندما تسلل الضعف رويداً رويداً لقدراته لتتحول في نهاية الأمر لإخفاق بالكلية . انطلق المؤلف من حياة عوض بطل القصة لكل ما يحدث للرجال فهو يعبر بالجزء عن الكل لتتخطى الفرد للمجموع .
    وفق المؤلف في تصوير اللقاء الحميمي الفاشل بين عوض وبين زوجته ببراعة وأبرز كل خلجة نفسية على السطح كانت مستترة في نفس عوض لتعبر عن كل رجل يتعرض لمثل هذا الموقف ، وقام بإطلاق كمية من الحوارات أثناء مناقشة هذه المعضلة على المقهى، و التي تدور بين الرجال ليحكي كل منهم باستفاضة عن فحولته و قدراته الجبارة، ولا يغيب عن ذهن القارئ أن هذه الحكايات عملية دفاع كل منهم عن نفسه لشعوره أن الجميع يعرف أن تدني مستواه وكأن الجميع يعلم اخفاقاته المتتالية فهي عملية دفاع مستميتة كرامة مهدرة..
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    قصة " الكنبة الجلد"
    التي صمم الزوج على شرائها دون استشارة زوجته على غير المتوقع ، فالزوج المقموع من رؤسائه في العمل ومهمش من أصدقائه لا يحتل مكانة كبيرة في نفوسهم، مثل الأقل منه شأنا، فقرر الزوج أن يثور على حياته فبدأ من الحلقة الأضعف وهي بيته الذي يملكه ،وقام فيه بعملية تغيير غير متوقعة بوضع كنبة في غير مكانها من الصحيح من مساحة الشقة لتربطه وهو يتقلب عليها برخامة و كسل لذيذ . ركن إليه فيه الفترة الأخيرة صحيح الكنبة اتاحت له متابعة أحداث جسام لا تكف عن ضرب كوب الأرض من حروب طاحنة وتقلبات اقتصادية واكتشافات علمية وهو يحمل ريموت الكونترول ينتقل بين القنوات الفضائية ممددا عليه مفرطحة أطرافه الأربع عليه أغلب الوقت، ولكن الكنبة تمثل له في الأساس أكثر من ذلك وهو يتخذ قرارات تثبت أنه مهاب و صاحب شخصية قوية ..
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
    قصة " الصحفي عريضة'
    الذي يقرض الشعر معتمدا على علاقاته الاجتماعية وعلى قاعدة مجاملاته الناجحة التي تؤتي أكلها وتعود عليه بمكاسب مادية ووجاهة يقتصها من منصب ليس أهلا لتبوأه تلك المكانة ، ولكن الشعر غير كل ما سبق ذكره فهو أولا موهبة تصقلها الثقافة وحوار معقد بين الشاعر والوجود ونظرة فلسفية وتصور تجاه الكون والحياة الشعر.
    تجربة ذاتية بعد أن ينعكس كل ما تموج به الحياة على صفحة نفسه القلقة وهي تساءل الوجود وتلح بالسؤال مرة تلو الأخرى عن أسراره هل يدرك الصحفي عريضة أن الكلام المرصوص الملضوم أنه لا يمت للشعر بصلة فالشاعر أبقى من الحاكم وأخلد من بطون الكتب من الأمراء والساسة، وليكن المتنبي، ودانتي، والمعري، وهوميروس، وابن الرمي وكل من قرض الشعر وتغنى بقوافيه شاهدا على ذلك..
    ........................................
يعمل...
X