عمر شوقي نهاد القاسم ومرور ٥٣ عاما على الرحيل..سعد القاسم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عمر شوقي نهاد القاسم ومرور ٥٣ عاما على الرحيل..سعد القاسم

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684817552055.jpg 
مشاهدات:	2 
الحجم:	93.7 كيلوبايت 
الهوية:	114935
    لكن دمشق..
    سعد القاسم
    حدث هذا قبل اثنتين وخمسين سنة تماماً، وتحديداً صباح الخامس والعشرين من شهر أيار 1970، كان جدي (نهاد القاسم) يتحضر لمشوار المشي اليومي، حين فاجأته نوبة قلبية صاعقة لم تمهله أكثر من بضع دقائق أوصاني خلالها بأمي وأخواتي، ثم نطق الشهادتين. تاركاً صدمة هائلة عند الجميع، بمن فيهم ابن خاله الطبيب الذي جاء على عجل لكنه ما أن وضع سماعته على القلب الصامت حتى ألقى برأسه فوق الجسد الممدد وانخرط في بكاء حار.
    اتجه أبي إلى غرفته مخفياً أي مظاهر انفعالٍ لا تليق برجولة يعتد بها، لينشغل بتقليب أوراقه. كنت موقناً في عمري الفتي أنه لا يريد أن يرى أحدٌ دمعات عنيدة ترقرقت في عينيه، ومع ذلك سألته عما يبحث فأجاب بنبرة حزينة: «عن وصية أبي». وسرعان ما عثر عليها، قصاصة ورق صغيرة من دفتر مدرسي كتب على وجهها الخلفي بخطه الأنيق، ما أوصى بتدوينه على شاهدة قبره مبتدئاً بالفاتحة والبسملة، ثم
    «قال نزيل هذا الضريح نهاد بن عمر القاسم:
    أرض العروبة أرضي لست أجحدها- وأهلها كلهم أهلي واخواني
    لكن دمشق وأهلوها وجيرتها - كانـوا وما برحوا روحي وريحاني
    في ظلها عشت عمري راضياً فإذا- ما مت ضموا لها نعشي وأكفاني».
    كانت تلك أبيات من قصيدة طويلة حملت عنوان (شوق وحنين) نظمها عام 1965 بعد أن فاض به الشوق إلى الفيحاء وهو بعيد عنها لأكثر من سنة. المجلة اللبنانية التي نشرت له القصيدة باسم (أبو عمر) قدمتها بالقول إن صاحبها عُرف كرجل سياسة وقضاء، لا كشاعر، لذلك فإن هذه الأبيات هي نوع من البوح الوجداني، وقد أكد هو هذا الحال (بتواضع العارف) في إهدائه نسخة من القصيدة إلى ابنته الوحيدة، فكتب: «ربما أن هذه القصيدة على ضعف اسلوبها وتقصيره عن السمو إلى الشعر الجيد الجيد تُعبر أصدق تعبير عن رأيي وعاطفتي».
    شُغف بالأدب والشعر، منذ مطلع شبابه، فنظم بعض القصائد، وكتب الكثير من المقالات. وقد امتلك ذاكرة نادرة فكان يحضر الأمسيات الأدبية في المجمع العلمي العربي، ثم يعود إلى غرفته فيغلق الباب عليه ويدون من ذاكرته كل ما قيل فيها، وما أن ينجز مقالته حتى يرسلها مذيلة باسم مستعار إلى إحدى الصحف المعنية بشؤون الأدب لتنشر فيها دون أجر. وكان رواد تلك الندوات والمتحدثون فيها، وحتى أصحاب الصحيفة، ينشغلون في محاولة معرفة كاتب تلك المقالات خاصة أن أحداً لم يشك به، لأنه لم يكن يكتب أي شيء خلال الأمسيات والمحاضرات، وحين اكتشف الأمر عن طريق الصدفة توقف عن الكتابة.
    تتعدد الروايات عن تاريخ ومكان ولادته. ففيما تشير الوثائق الرسمية إلى أنه ولد في دمشق عام 1905، فإن حاشية بخط يده على نسخته الخاصة من (تفسير الجلالين) تذكر أنه ولد في عام 1906، دون إشارة إلى مكان الولادة. وبالمقابل فإن بعض ذكرياته الشفهية تشير إلى أنه نشأ في مدينة يافا، وربما ولد فيها، وتذكر روايات غيرها أنه ولد في نابلس وأنه تلقى تعليمه الأولي في معهد النجاح (جامعة النجاح حالياً). ويرجع سبب تعدد الروايات إلى كونه عاش السنوات الأولى من عمره متنقلاً بين مدن سورية وفلسطين، وقد كانت ضمن دولة واحدة، بحكم طبيعة عمل والده القاضي الذي استشهد إثر قصف بارجة بريطانية لمنزله في يافا عام 1917وهو يحاول إنقاذ أسرته بعد تهدم المبنى، فعادت أرملته مع أبنائها لعند أشقائها في دمشق، وأقامت في منزل شقيقها القاضي النزيه رؤوف الجابي.
    عَلمَه اليتم المبكر أن يعتمد على نفسه، فكانت أولى وظائفه كاتباً في محكمة الاستئناف بدمشق، بعد أن أتم دراسته في (مكتب عنبر). وحمله تشجيع زوجته، وهمته العالية، على أن يدرس الحقوق وهو موظف يقوم بواجبات وظيفته الحكومية على أتم وجه، وأب لولدين، وأن ينجح في سنوات الدراسة الجامعية بالمركز الأول، ويحرز شهادة تقدير من معهد الحقوق على ذلك التفوق، وعندما أعلنت وزارة العدل عن مسابقة للقضاة كان أول الناجحين فيها بتفوق، وقد أهلته خصاله أن ينال سمعة عطرة، ويرتقي باستمرار في سلك القضاء والعمل الحكومي.
    مع أنه كان مؤمناً بالفكر القومي منذ مطلع حياته، فإنه في واقع الحال قد غلبت عليه صفة القاضي المحايد، فظل بعيداً عن العمل السياسي، حتى فترة الوحدة، فقد أعجب بشخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ومشروعه القومي النهضوي، ورأى فيه تجسيداً لأحلامه القومية. ومن ثم ربطته علاقة وثيقة بالرئيس الذي تقبل برحابة صدر ملاحظاته الحادة الصريحة على بعض جوانب العمل الحكومي. ولذلك فقد ختم قصيدة (شوق وحنين) بالقول:
    يا ناصـر العـرب إنا لا نزال علـى- ما قد عهـدت بميثاق وإيمان
    ندعو إلى الوحـدة الكبـرى تظللنا- من الخليـــج إلى فاس وتطوان
    كانت تلك الخاتمة أشبه بتصريح بأن دفق العاطفة لا يبدل الموقف. أما الأبيات التي سبقتها فكانت مفعمة بعشق دمشق، والشوق إليها:
    يا نائح الورق من شرقي لبـنان - رفقاً بقلبــي فما أشجاك أشجانــي
    إن كان نوحك من حر النوى فلقد- فارقت أهلي وأحبابي وجيراني
    وأمسك الدمع كبراً حين يعصف بي - شوقي إلى ساكني (الفيحا) وتحناني
    وللشآم، رعى الله الشآم، هوى - يدوم في القلب ما دام الجديـدان
    يا جنة الله في الدنيـا ويا وطناً - عز النظيــــــر له ما بين أوطان
    أنت العروبة قلباً نابضاً ويداً- ترد كيـد الألى باؤوا بخسران
    أنت الجهاد وأنت الخيـر أجمعه - وأنت غابة أجواد وشجعان
    لا أدمع الله لي عيناً عليك ولا زلـت الملاذ لنا من كل عدوان
    https://thawra.sy/?p=366481
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	FB_IMG_1684817543662.jpg 
مشاهدات:	4 
الحجم:	65.5 كيلوبايت 
الهوية:	114934
يعمل...
X