الأديب: صبري يوسف. قراءة لقصيدة"مَن يرى دمعَكِ"للشاعر السُّوري القس جوزيف إيليّا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأديب: صبري يوسف. قراءة لقصيدة"مَن يرى دمعَكِ"للشاعر السُّوري القس جوزيف إيليّا

    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	Screenshot_٢٠٢٣٠٥١٨-٠٧١٠٢٤_Facebook.jpg 
مشاهدات:	4 
الحجم:	116.8 كيلوبايت 
الهوية:	112607
    قراءة تحليليّة لقصيدة "مَن يرى دمعَكِ؟"، للشاعر السُّوري القس جوزيف إيليّا
    صبري يوسف - ستوكهولم،
    يكتبُ الشّاعرُ القس جوزيف إيليّا قصيدتَهُ من وحي ما يموجُ في ربوعِ الكونِ مِنْ تصارعاتٍ وتصادماتٍ واشتعالِ حافَّاتِ الرُّوحِ في الكثيرِ ممّا يراهُ متفاقماً في أتونِ التَّلظّي فوقَ دنيانا المترجرجةِ على شفيرِ الانشراخِ، انشراخِ الرُّؤى في بعضِ الأحيانِ، وانشراخِ تطلُّعاتِ بعضِ المتهوِّرينَ في تخندقاتِ هديرِ الحروبِ، وانشراخِ الأهدافِ نحوَ أعماقِ بُرَكِ القيرِ، والغوصِ في أقصى أقاصي الشُّرورِ، غيرَ آبهينَ بمآسي آفاتِ الزَّمهريرِ، فلا يقفُ الشَّاعرُ المكتنفُ بالمشاعرِ الفيَّاضةِ، مكتوفَ الأيدي إزاءَ هذهِ الرُّؤى المفرِّخةِ في أصحابِ العقولِ المتحجّرةِ، وسرعانَ ما نراهُ مجنّحاً نحوَ رفعِ رايةِ الحرفِ وانبعاثِ القصيدةِ على إيقاعِ رفرفاتِ أجنحةِ اليمامِ، فهو شاعرٌ إنسانيٌّ بامتيازٍ، لما يعبِّرُ عنهُ من شعورٍ شاهقٍ ومرهفٍ، لأنَّ القصيدةَ عندَهُ مشروعُ محبّةٍ وعشقٍ وعناقٍ ووئامٍ مَعَ كينونةِ الكونِ، لأنَّهُ صديقُ الوجودِ، صديقُ إشراقةِ الشّمسِ وسطوعِ القمرِ وتلألؤاتِ النّجومِ، صديقُ الجمالِ والطَّبيعةِ، ورهافةِ الأزاهيرِ، وبهاءِ الفراشاتِ وهديلِ اليمامِ، صديقُ كلِّ ما يزرعُ البسمةَ لبهاءِ الأرضِ وصفاءِ السَّماءِ، فهوَ يكتبُ شعراً كما تُملي عليهِ دندناتُ الرّوحِ، لما يتراءَى لهُ من جمالٍ وبهاءِ ووئامٍ، وما يتراءَى لهُ مِن انشراخاتٍ مفخَّخةٍ فوقَ طينِ الحياةِ، راصداً خيَالَهُ الخلّاقَ لِما هو خيرٌ للإنسانيّةِ والحياةِ والمجتمعِ في كلِّ أركانِ الوجودِ، مجسِّداً آفاقَ رؤاه لما يراهُ من فرحٍ ومحبّةٍ وخيرٍ، واقفاً بكلِّ حزمٍ في وجهِ تصارعاتِ الحروبِ وتفاقماتِ الشُّرورِ والمآسي بينَ البشرِ، فتولدُ القصيدةُ عندَهُ من رحمِ الحياةِ بكلِّ تلاوينِها المفرحةِ تارةً والموغلةِ في الأحزانِ ومآسي الحياةِ تارةً أخرى!
    يتنفَّسُ القس جوزيف إيليّا شعراً، صافياً صفاءَ النِّسيمِ، الَّذي يهبُّ أثناءَ بزوغِ الفجرِ المندَّى برحيقِ الأزاهيرِ، كأنَّهُ في فضاءِ مرمى الانتظارِ، يلتقطُ هِلالاتِ الهبوبِ، صائِغاً شعرَهُ بكلِّ ابتهالٍ على أنغامِ مويجاتِ البحرِ الهفهافةِ، وفوقَ الأمواجِ تحلِّقُ النّوارِسُ جذلى، فارشةً أجنحتها لانبلاجِ طراوةِ الحرفِ الوليدِ، فيرسمُ رؤاهُ على مقاسِ حنينِ الطّفولةِ، وشغفِ الشُّبانِ وأبهى مروجِ العطاءِ، وقد تضمّخَ بوهجِ الشِّعرِ منذُ أنْ اعتنقَ خصوبةَ الحرفِ، لأنَّهُ ترعرعَ منذُ يفاعتِهِ على معانقةِ بوحِ الشِّعرِ عناقاً طافحاً بأغصانِ الودادِ، فأصبحَتِ القصيدةُ صديقتَهُ الأبديّةَ، ترافِقُهُ ليلَهُ ونهارَهُ وغربتَهُ الفسيحةَ في الحياةِ، لا تفارقُهُ أينما حلَّ بِهِ الرِّحالُ، تظلُّ ملتحمةً بمروجِهِ المخضِّلةِ بأشهى رحيقِ الاخضرارِ. توغَّلَ حبقُ الشِّعرِ في أعماقِهِ، واستوطنَ في كينونتِهِ بكلِّ إشراقاتِها المفتوحةِ على جنائنِ الأرضِ، إلى أنْ أصبحَ هاجسُهُ الأصفى في خميلةِ الحياةِ، ملتحماً بشهيقهِ وزفيرِهِ على مدى جموحِ الخيالِ. لا ينامُ إلَّا على إيقاعِ دندناتِ الشِّعرِ، يزورُهُ في رحابِ الحلمِ، ويرنِّمُ شعرَهُ وهو في أعماقِ الحلمِ، محلِّقاً بكلِّ ما في مخيالِهِ مِن تدفُّقاتِ جموحِ البوحِ، إلى أنْ غدا كائناً شعريَّاً مترهبناً لأبهى ما في بزوغِ الحرفِ مِن تجلِّياتِ انبعاثِ أشهى وأزهى ما في إشراقةِ الشِّعرِ!
    في قصيدةِ "مَن يرى دمعَكِ؟" استوحى الشّاعرُ جوزيف إيليّا الموغلُ في الرَّهافةِ والإبهارِ، فضاءَهُ الشِّعريَّ مِنِ لهيبِ الحياةِ، مِنْ اشتعالِ منعرجاتِ العمرِ، من آهاتٍ موجعةٍ ومرصرصةٍ فوقَ صدرِ الأمَّهاتِ مثلَ لهيبِ الجمرِ، استوحاها مِن رضابِ الطّفولةِ، مِنْ غدرِ هذا الزَّمانِ لبراءةِ الأطفالِ وانكسارِ أغصانِ العمرِ في ذروةِ الانبلاجِ، مِنْ تفاقمِ فواجعِ الحياةِ المندلقةِ فوقَ شهيقِ ومآقي أمٍّ متلظّيةٍ بضراوةِ غورِ الجراحِ. يكتبُ الشَّاعرُ عَنْ فضاءاتِ الحزنِ، بلغةٍ رهيفةٍ، وكأنَّهُ ينسجُ حرفاً متعانقاً، رغمَ بزوغِ الأنينِ، مَعَ حبورِ الفرحِ.
    تكتسي القصيدةُ لغةً موغلةً في ضراوةِ الأسى والأنينِ، لغةً مبلَّلةً بآهاتٍ حارقةٍ، وكأنّها تترجمُ نقاوةَ الدَّمعِ المنسابِ مِن مآقيِ اشتعالاتِ الرُّوحِ! متسائلاً مَنْ يرى دمعَكِ؟! وكأنَّهُ يقولُ للأمِّ، للقارئِ، للقارئةِ، مَنْ يرى دموعَنا، غيرُ الشُّعراءِ الموغلينَ في رهافةِ الحياةِ، والمعانقينَ للمشاعرِ الطَّافحةِ بوهجِ الحنينِ لدى مَنْ يعانونَ مِنِ لهيبِ نيرانِ العمرِ؟! متوقّفاً عندَ غدرِ هذا الزّمانِ وظلمِ الظّالمينَ، مبيّناً كيفَ حرقَ جلاوزةُ العصرِ حقولَ أمِّ مِنْ نكهةِ الوردِ، حرقاً مميتاً، ولا يرى مَنْ يقرعُ بابَها ويقدِّمُ لها زاداً شهيّاً أو ينثرُ لها انسيابَ الكلامِ، أو يطبطبُ على ظهرِها المضرَّجِ بالآهاتِ والجراحِ، مخفِّفاً مِنْ ثقلِ أحزانِها، وهي في قمّةِ اليباسِ على مدى كلِّ الفصولِ، متابعاً تساؤلاتِهِ المضرَّجةَ بالمراراتِ والآهاتِ، مَنْ يصغي إلى أجيجِ الأنينِ في هدوءِ اللَّيلِ، صادَّاً عنْكِ اهتياجَ الموجِ وأكوامَ الطِّينِ، زارعاً فوقَ مرامي دنياكِ أبهى الزُّهورِ؟!
    ها قدْ جاءَكِ فارسٌ في منتهى الشَّهامةِ متَّشحاً بالصَّفاءِ ورحيقِ أبهى أغصانِ النّقاءِ، مكتنفاً بالرَّوعةِ والعنفوانِ، لا ترهبُهُ أنيابُ الذِّئابِ، ولا ضراوةُ الأفاعي، محافظاً على مروجِ دنياكِ، يروي مراعي حقولِكِ العطشى، فتنتعشُ خيولُكِ السّارحةُ في متاهاتِ المراعي!
    يخاطبُ أمَّاً مفجوعةً، معتَّقةً بأقسى صنوفِ الأنينِ. تقفينَ وحيدةً في ساحاتِ الانكسارِ، داميةَ الأقدامِ مِنْ هولِ الجراحِ، مِنْ تراكماتِ إبرِ الشَّوكِ في طريقِ العبورِ، تتلظّينَ بتراكمِ لهيبِ الرَّملِ المرصرصِ فوقَ هامَتِكِ. يبدِّدُ الرَّملُ ما كانَ مكتنزاً في الذّاكرةِ مِنْ شموخِ البلادِ، فتتوارى أفراحُكِ المصطبغةُ بأزهى الأحلامِ، كأنَّكِ مقمّطةٌ بلهيبِ النّارِ، مَعَ كلِّ هذا لم تتهاوَي مثلَ الرِّيشِ في مهبِّ اجتياحِ الرّيحِ، ولمْ يطوِكِ تفاقمُ هطولِ الغدرِ وأوجاعِ الانكسارِ، ظلِلْتِ واقفةً في ذروةِ الانذهالِ، وفي أوجِ توجُّعِكِ متحسِّرةً مِنْ هولِ تتالي الآهاتِ.
    أواهٍ .. تحجَّرَتْ مشاعرُ المحيطينَ بكِ، أصبحَتْ قلوبُهم كأحجارِ الصَّوانِ، لا يسمعونَ، ولا ينطقونَ لغةَ العطاءِ، ولا لغةَ الوفاءِ. شللٌ يجتاحُ رؤاهم، ولا يرونَ إلَّا ظلامَ اللَّيلِ الغارقِ في السُّوادِ. لا تعلِّقي أملاً على هؤلاءِ، فلنْ يقدِّموا لكِ فضاءً ممراحاً ولا أنشودةَ فرحِ، لأنَّهم غاصوا في مرامي الانجرافِ في متاهاتِ الضّياعِ!
    أنشدي أغانيكِ وحدَكِ، بعيداً عَنْ مساعي هؤلاءِ، وارتشفي أشهى ما يروقُ لكِ في آفاقِ الغدِ الآتي، ولا تتردَّدي يوماً واحداً من مدِّ يدِكِ لي، فلن أخذلَكِ أبداً، سآتيكِ على أجنحةِ الشِّعرِ، أرفعُ يدي لزرقةِ السّماءِ، أصلِّي لكِ ومعكِ، كما هدهدتْني أمِّي على مدى عمري، وكوني على موعدٍ في واحاتِ الانتظارِ، سأنشدُ لكِ أبهى أنغامِ التَّرانيمِ على إيقاعِ حنينِ الرُّوحِ لأزهى انبعاثِ تجلّياتِ الرّوحِ!

    ستوكهولم: 16. 5. 2023
    صبري يوسف
    أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم

    ***

    وفيما يلي قصيدةُ "مَن يرى دمعَكِ؟".
    مَن يرى دمعَكِ؟

    مَنْ يرى دمعَكِ
    والدّهرُ عصاهُ ألهبتْ ظَهرَكِ
    والنّارُ غزتْ دنيا حقولِكْ؟
    ومَنِ القارعُ بابًا لكِ
    يعطيكِ رغيفًا
    أو كتابًا
    ويعزّيكِ
    وقد جفّتْ بساتينُ فصولِكْ؟
    ومَنِ السّامعُ أنّاتِكِ في الّليلِ
    ومَنْ يدفعُ عنكِ الموجَ والطّينَ
    ويبني مِنْ زهورٍ يانعاتٍ مدنًا لا تتلاشى فوقَ أكتافِ تلولِكْ؟
    مَنْ تراهُ ذلكَ الفارسُ
    يأتيكِ نقيًّا
    وجميلًا
    وقويًّا
    ليس يخشى مِنْ ذئابِ الوعرِ
    أو مِنْ لسعةِ الأفعى
    ويبقى مُخصِبًا مرعى خيولِكْ؟
    وحدَكِ الأشواكُ تُدميكِ
    ويُرمى فوقَكِ الرّملُ
    فتنسَينَ بلادًا
    عشتِ فيها عرسَ أحلامِكِ
    لمْ تنكسري كالقَشِّ
    أو تنطمري تحتَ طلولِكْ
    آهِ
    آهٍ
    كلُّ مَنْ حولَكِ
    أمسى صخرةً
    صمّاءَ
    خرساءَ
    وعمياءَ
    وعرجاءَ
    فلا تنتظري مِنْ أحدٍ شِعرًا
    ولا أغنيةً
    وحدَكِ غنِّي
    واشربي قهوةَ مستقبَلِكِ الآتي
    وليْ وحدي
    يدًا مُدّي
    فإنّي مسرعًا نحوَكِ أجري
    وأصلّي معْكِ
    ممّا علّمتْني قولَهُ أمّي فتًى
    وانتظريني ذاتَ يومٍ
    مُطلِقًا عزْفَ طبولِكْ.
    ---
    القس جوزيف إيليا
    ١٦ / ٥ / ٢٠٢٣
يعمل...
X