أدوية التنحيف

 

بتاريخ 15 سبتمبر من العام الماضي (1997م) قررت الحكومة الأمريكية سحب الدواءين المسميين فنفلورامين (Fen Fluramine) ودكسفنفلورامين (Dexfenfluramine) من الأسواق وتحريم تداولهما. والسبب اكتشاف أن لهما تأثيرات خطيرة على صمامات القلب. وقد بدأ اكتشاف الأمر بشكوى من (24) امرأة كن يستخدمن هذين المركبين لتخفيض الوزن من مشكلات في صمامات القلب أرضخت خمس سيدات منهن لعمليات جراحية، ثم فتح الباب لتوالي الشكوى بعد ذلك حتى كان قرار السحب.
ومركبا الفنفلورامين والدكسفنفلورامين هما من أدوية تخفيض الوزن المصنفة ضمن الأدوية المانعة للشهية والمسماة Serotoninargic سيرتوننرجك. وفكرة هذه المركبات تعتمد على تأثيرها على الموصل العصبي (السيرتونن) مما يؤثر على الجهاز العصبي وتفقد النفس الشهية للطعام. وقد أجيز استخدام هذين المركبين منذ سنوات عدة، ومع التجارب التي أجريت عليهما وجد أن لهما فائدة جانبية لكونهما يؤثران على عمليات التوليد الحراري في الخلايا البنية مما يساعد على فقد أكثر للوزن. وقد كثفت الدراسات على هذه المركبات في العامين 1993 و 1994م (على الحيوانات) ووجد أن بعضها له تأثير لفترة محدودة وبعضها لا يزيد تأثيره على الشهية بنسبة 25%، وبقرار السحب لهذين المركبين أصبحا ضمن الأدوية المحرمة في أمريكا وبعض الدول. وقد أصدرت الادارة العامة للرخص الطبية والصيدلية في السعودية في حينها تعميمها إلى مديريات الشؤون الصحية بالمناطق بحظر استخدام هذين المركبين.
في العام الماضي أيضاً سحب من الأسواق الأمريكية وبصورة مفاجئة مركب طبي جديد Orlistat من رابطات الأنزيمات الخاصة بهضم الدهون (مما يقلل الاستفادة منها وخروجها مع البراز) وفي العام نفسه تأخر تسويق مركب ثالث (Sibutramin) وهذا ما دفع بالمتخصصين إلى التساؤل «هل نستخدم الأدوية الخاصة بتخفيض الوزن والمصرح بها أم أننا في حاجة إلى مزيد من الدراسات عن تأثيرها على صحة الإنسان؟».
الأمر قديم والمخاطر تتوالى
إن أمر علاج السمنة بالأدوية قديم. فقد سجل استخدام مستخلص «الثيرويد» منذ عام 1893م لعلاج زيادة الوزن، كما استخدم مستحضر دنتروفينول Dintrophenol عام 1933م ودخلت أول مركبات الأمفيتامينات الأسواق عام 1937م ولم تكتشف آثارها الضارة إلا بعد 30 سنة من ذلك التاريخ (أي في عام 1967م).
إن شأن أدوية علاج السمنة شأن أي أدوية أخرى في عدم ظهور بعض الآثار الضارة لها إلا بعد سنوات من الدراسات وربما نزلت الأسواق ثم جاء منها خطر فسحبت أو حذر منها.
أين الخطر؟
عندما نتكلم عن أدوية علاج السمنة لا بد من تحديد المصطلح بصورة دقيقة، فهناك أدوية تؤثر على الجهاز العصبي وتفقد الشهية للطعام، وثانية تؤثر على الأنزيمات الهاضمة للطعام، وثالثة عبارة عن أدوية تشعر بالشبع، ورابعة طبيعية إلا أنها تباع في الصيدليات على صورة مستحضرات وهكذا. فأي الأدوية النافعة وأيها التي تشكل خطراً على الصحة إن كان هناك خطر من استخدامها أصلاً؟!
أدوية فقد الشهية
هذه الأدوية عبارة عن مركبات كيميائية تؤثر على الجهاز العصبي بتأثيرها على الموصلات العصبية ومن ثم تؤدي إلى فقد الشهية للطعام. وأقدم هذه الأدوية هي المسماة الأمفيتامينات. إذ كانت تستخدم أساساً لمغالبة النوم والكسل فوجد أنها تفقد الشهية للطعام فاستخدمت لعلاج السمنة كأدوية رجيم. ويوجد اليوم من هذه الأدوية وشبيهاتها كم كبير من المركبات تختلف في قوة تأثيرها ودرجة أمانها على الصحة من مركب إلى آخر، إلا أنه وبعد الدراسات المستفيضة على هذه المركبات وجد أن لمعظمها آثاراً جانبية متدرجة الخطورة ما بين الإدمان والاكتئاب عند تركها إلى تأثيرها في رفع ضغط الدم أو تأثيرها على مرضى القلب أو الجلاكوما أو مفرطي إفراز الغدة الدرقية. ومن أشهر مركبات الامفيتامينات «ميت أمفيتامين (Metam Phetamin) ومازيندول Mazindol ومن شبيهاتها (الفينايل بروبانول أمين ({Phenyl proponolamine). ومن الأدوية التي تؤثر على الموصلات العصبية وتفقد الشهية أيضاً المركبات المسماة «سيروتوننيرجك» والتي من أشهرها فلوكستين Fluoxetne ويدخل ضمنها المركبان سابقا الذكر (الفنتلورامين والدكسفنفلورامين) اللذان سحبا من الأسواق بسبب تأثيرهما على صمامات القلب.
وقد درست منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية منذ أكثر من عشرين سنة معظم المركبات المؤثرة على الجهاز العصبي وفقد الشهية وصنفتها حسب تأثيرها ودرجة خطورتها ودرجة الإدمان عليها. إلا أن المشكلة هي تجدد ظهور آثار بعضها الخطير مع الأيام كما ظهر في العام الماضي.
ومنها ما هو طبيعي
يوجد من المركبات المفقدة للشهية التي قد تسبب الإدمان عليها ما هو طبيعي ومستخلص من بعض النباتات والأعشاب. فقد استفادت الابحاث العلمية من فكرة التأثير على الجهاز العصبي لفقد الشهية بوجود هذه المؤثرات الطبيعية. وقد نزل إلى الأسواق قلم يفقد الشهية بالشم وأدخل للأسواق بمسمى «مواد طبيعية». فهذا القلم فيه زيوت طيارة مركزة لجوزة الطيب وغيرها، وجوزة الطيب هذه من المواد التي يثار حولها الاحتمال بأنها تؤدي إلى الإدمان وقد منعت بعض الدول استخدامها ثم عادت للسماح باستخدامها كتوابل لعدم القطع بتأثيرها المدمن.
التعامل الحذر
إن هذه الأدوية والمواد المؤثرة على الجهاز العصبي لابد من التعامل معها بحذر وتحت إشراف طبي. وترك استخدامها أو منعها هو الأولى من باب الحيطة والحذر. والحق أن ما تمارسه وزارة الصحة السعودية في تعاملها مع مثل هذه المركبات لجدير بالتقدير والشكر وحبذا أن تقتدي كثير من الدول الإسلامية والعربية بمثل هذا حرصاً على عقول مواطنيها وسلامتهم. فإنه وإن كانت بعض هذه المركبات آمنة اليوم فإنه ليس بمستبعد أن تظهر مشكلاتها غداً. والحذر ثانياً مطلوب من الطبيب أو الاختصاصي المعالج أو الواصف لمثل هذه المركبات، فهو مطالب بمعرفة ميكانيكية عمل مثل تلك المركبات في الجسم وما هي ملابسات استخدامها، وأن يكون متابعاً لما تتوصل إليه الأبحاث بشأنها. أما المستعمل لهذه الأدوية بغية تخفيف وزنه بها فينصح بأن يكون حذراً ولا يأخذ الكلام من الصحف والمجلات والفضائيات التجارية وأرفف الصيدليات وتجربة الزملاء، فعقله نعمة من نعم الله الكبرى عليه وصحته تاج لحياته فلا يجعل منهما عرضة لابتزاز تاجر أو حقلاً لتجارب عالم.
والحذر له حدوده
ورغم الحذر فلا بد من التسليم العام بأن بعض أنواع السمنة لأشخاص معينين قد يحتاج إلي مثل هذه الأدوية والعقاقير. ولمواجهة مثل هذا الاحتمال الذي يقرره المختص فقد شدد دليل السمنة للمعهد الوطني الأمريكي للصحة الذي صدر هذا الصيف بالتأكيد على أنه لا داعي إطلاقاً لأي إنسان لم يصل مؤشر كتلة الجسم (BMI) عنده 30 كجم/سم2 أو أكثر، أن يستخدم أدوية تخفيض الوزن إلا أنه استدرك بأن هناك حالات مصاحبة لزيادة الوزن مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري يمكن معها استخدام هذه الأدوية عندما تدعو الحاجة إلي ذلك ويكون BMI أكثر من 27 كجم/سم2( ويقاس BMI = الوزن بالكيلو)- (الطول بالمتر)2)
ويشترط الدليل في مثل هذه الحالة ألا يشرع الطبيب باستخدام الأدوية مالم يجرب العلاج الغذائي والرياضي لمدة لا تقل عن (6) أشهر مع المريض في كلتا الحالتين، ومتى ما فشل فله أن يلتفت للدواء.
روابط وموانع
هناك نوع آخر من الأدوية التي تؤخذ مع الطعام بهدف تقليل الاستفادة منه بربطها للانزيمات الهاضمة، ومن ثم تمنع الاستفادة من الطعام فيخرج من الجسم دون هضم، ومن أشهر هذه الموانع موانع الاستفادة من الدهون بتأثيرها على أنزيمات الدهون وموانع الاستفادة من الكربوهيدرات (النشويات) ومن أشهر هذه الأخيرة مركب الأكربوز Acarbose، وهذا المركب وإن كان يستخدم لخفض الوزن إلا أن هناك من يطالب باستخدامه لمرضى السكري وهذا لا يسلم به (ولا مجال لهذا الأمر هنا). المهم وإن كانت هذه المواد أقل خطراً من الأدوية المؤثرة على الجهاز العصبي إلا أن جدواها الحقيقية في الوقت نفسه يعتريها الشك، بل إن التجارب على بعضها تشير إلي أنها مجرد وهم أو أن تأثيرها جزئي جداً.
للمحرومين فقط
هناك مستحضرات أو مركبات على هيئة مستحضرات (فورملا) مكونة من البروتينات وبعض الفيتامينات والمعادن تباع في الصيدليات في أكياس (بحجم الكف) كحمية غذائية. إذ يذاب كل كيس (مظروف) في الماء ويشرب بدل الغذاء العادي. ومن أشهر ما هو موجود في الأسواق اليوم مستحضر من هذه المستحضرات يطالب المستخدم بشرب محتوى كيسين يومياً صباحاً ومساء بسعرات قدرها 330 سعراً حرارياً، مع إضافة وجبة غذائية قدرها 600 سعر حراري. إن فكرة هذه المستحضرات فكرة تجارية بحتة وقد ظهرت قديماً وأردت 17 قتيلاً عام 1978م بسبب أن نوع البروتين المستخدم فيها كان منخفض القيمة الغذائية. ولا شك أن الأمر قد تفاداه التجار اليوم وأصبحت نوعية البروتينات في هذه المستحضرات جيدة إلا أن فكرة خفض السعرات الحرارية ليست في حاجة إلى حرمان بهذه الطريقة التي لا تعدو أن تكون نفسية، فيمكن للانسان أن يخفض السعرات الحرارية بصورة متوازنة بتقليل كمية الطعام الذي يتناوله، ولا داعي لصرف قرابة (170) ريالاً أسبوعياً لهذا الأمر وحرمان النفس من لذة الجلوس على المائدة والاستمتاع بقضم الفاكهة أو التلذذ بقطعة من الشواء. إنها فعلاً مستحضرات للمصرين على الحرمان .

 

الرئيسية