الأفكار الخاطئة عن الماكروبيوتيك.

أعداد مريم نور

هنالك العديد من الأفكار الخاطئة عن ما هو الماكروبيوتيك.

بدون الفهم الصحيح لهذا العلم, فإن كثير من الناس سيجدون تعلمه وتطبيقه عبء يصعب عليهم تحمله ومع مرور الوقت فإنهم سينجرفون وراء النزعة الداخلية التي سترفضه وأيضا تعيبه كعلم.

لقد شككت في صحة هذا العلم مرات عديدة قبل أن أصل إلى المعنى الحقيقي للحياة نفسها.

الآن أنا أؤمن أن الماكروبيوتيك والحياة هما شئ واحد, فهما الدعامة لاستمرار الحياة.

في محاولتي لتعريف الماكروبيوتيك, توصلت أن نظرة كل شخص و تفهمه للماكروبيوتيك والحياة يعكس لنا أي مستوى من التحكيم الذي يحكم به على مجريات الأمور قد توصل إليه ذلك الشخص.


مستويات جورج أوشاوا السبع للتحكيم

جورج أوشاوا, مولد علم المايكروبيوتيك الحديث, وصف سبع مستويات للتطور الإنساني و أسماها مستويات التحكيم السبع . هذا الترتيب عبارة عن أداة رائعة تساعد على معرفة ماهية المايكروبيوتيك الحقيقية.

هذه المستويات السبع هي كالتالي:
الميكانيكي
الحسي
الوجداني
العقلاني
الاجتماعي
التصوري
السمو
هنالك قصة قديمة من الهند تجسد لنا الصعوبة في محاولة تعريف أي شئ ومهما كانت المحاولة فإن التعريف سيكون شخصي أو غير موضوعي و ناقص.

يقال أنه طلب من ثلاث رجال كفيفي البصر تعريف الفيل . الأول تحسس خرطوم الفيل ووصفه على أنه يشبه الحية, أما الآخر فقد تحسس جانب الفيل وقال أنه يشبه الحائط, و الأخير تحسس ذيل الفيل ومن ثم قال إنه يشبه الفرشاة.

أيهما أدلى بالوصف الصحيح؟

بالطبع لم يوفق أي منهما وذلك لأن تعريف الفيل أشمل من كل التعريفات التي ذكروها, حيث أنها جميعاً تعريفات جزئية مبنية على الأجزاء التي لمسها كل رجل من جسم الفيل.

بالمثل, فإن بعض الناس لديهم خبرة بسيطة وغير كاملة عن الماكروبيوتيك بالتالي فإنهم يتوصلون إلى تعريف ناقص عنه وذلك نتيجة أن مستوى التحكيم لديهم لم يصل إلى المستوى الذي يجعلهم ينظرون إلى الماكروبيوتيك والحياة على أنهما وحدة متكاملة. حيث أن الماكروبيوتيك هو في الحقيقة تفاني وتكريس للوصول إلى ذلك المستوى الشامل من التحكيم.وإلى أن يصل الشخص إلى ذلك المستوى الذي يسمى بالسمو في مستويات أوشاوا, فإن فهم الماكروبيوتيك لديه سيبقى جزئي وقاصر. وهذا القصور سيجعلنا نسئ الحكم على هذا العلم.

هنا تكمن المفارقة: ضعف مستوى التحكيم يجعلنا نسئ تقدير هذا العلم, فكيف يمكننا أن نتغلب على هذا القصور؟

تكمن الإجابة في قدرة الشخص على تأجيل حكمه والتروي فيه, أو على الأقل أن يضع في اعتباره أنه مبتدئ, ولا يمكن أن يصل لنهاية المطاف. هذه النظرة المتفتحة للحياة أساسية للنمو, فهؤلاء الذين يظنون أنهم قد وصلوا, والذين يحكمون بأدنى مستويات التحكيم, غالباً ما يتوصلون إلى اعتقادات خاطئة حول المايكروبيوتيك و التي تكون محبطة للنفس.

لنتذكر دائما أنه مهما علمنا أو كيف تعلمنا أو من نكون, فنحن لم نتعلم شيئاً ونحن لا-أحد وهذه أولى دروس الحياة. فإن أهمية الرحلة لا تكمن في الوصول وإنما في الخطوات التي نخطوها لتصل تلك القطرة إلى المحيط. فنحن جميعاً واحد, مثلما أن القطرة هي المحيط.

هذه قصة من الأثر في علم المايكروبيوتيك تصف طالب شاب يتحدث كثيراً مع معلمه و كيف أنه يريد أن يتغلب على الأنا , ويصل لمرحلة إنكار الذات , وأن يدرس و يتعلم كل ما يمكنه عن الماكروبيوتيك , وفي كل وقت وهو يخبر أستاذه بما لديه من معرفة ليبهر أستاذه ويستحسن التزامه بالتدريب والتهذيب.

في النهاية تناول المعلم إبريق الشاي وأخذ يصب للتلميذ في كوبه إلى أن امتلأ الكوب وفاض الشاي على جوانبه ولم يتوقف المعلم, حينئذٍ انتبه الطالب توقف عن الكلام وصاح لقد امتلأ الكوب وهو الآن ينسكب !

فيجيبه معلمه, " نعم, بالضبط تماماً مثل عقلك. لا يمكنني أن أعلمك أي شئ عن الماكروبيوتيك طالما عقلك ملئ بالمعرفة لا بد من أن تفرغه حتى تستفيد من توجيهاتي."


كيف يمكننا أن نتعلم ونحن نظن أننا متعلمين؟

ذكر ميتشو كوتشي ذات مرة أنه توجب عليه إلغاء كل ما تعلمه في جامعة كولومبيا حتى تمكن من تعلم و فهم الماكروبيوتيك.

من أكثر الاعتقادات الشائعة عن الماكروبيوتيك أنه نظام غذائي ثم يأتي كل شئ آخر بعد ذلك. تبعاً لهذه الطريقة في التفكير فإن ( كل شئ آخر) ليس ماكروبيوتيك.

هذا الاعتقاد الخاطئ مبني على أساس ازدواجية التحكيم العقلي. للوصول إلى تعريف ما ليس له علاقة بالماكروبيوتيك وما له علاقة به عبارة عن ازدواجية متأصلة و هراء. فمثلاً هل البازلاء الخضراء ماكروبيوتيك أم لا؟ هل مطبوخة أم لا؟ هل تملح أم لا ؟ بماذا تخلط ؟ في النهاية , كونها ماكروبيوتيك أو لا يعتمد أساسا على الشخص التي تُعد له, حالته الصحية, طريقة طبخها وإعدادها, الطقس, المناخ, النشاط, المستوى, .....الخ

فإذا كان الطعام المعد مناسباً تماماً للشخص الذي يتناوله, حالته, نشاطه, الخ , إذاً فهو ماكروبيوتيك.

لننظر إلى الشخص كمخلوق كامل ولننظر إلى الكون أنه الأم الكاملة , فالشخص عدة وليس عدد لهذه الأم, إذاً فنحن واحد مع الكل وكلنا مع الواحد الأحد . هذا هو نظام الكون , و نحن ضمن هذا النظام, هذه هي رقصة الحياة المقدسة و هذا هو الاختيار. لنعش خياراتها , لنتعلم من آلامنا وأفراحنا, من صحتنا ومرضنا.


رأيت العديد من معلمي الماكروبيوتيك يقفون أمام الناس على المسرح ليعرضوا أنفسهم ويبهروا الناس بالمعرفة الواسعة والمحشوة داخل أذهانهم , حقيقة فإن عرضهم لا بد من مشاهدته! و لكن انتبهوا! املكوا جسمكم الذي هو ملككم!

إنني لا أقلل من براعتهم الذهنية الفائقة وقدرتهم على إبهار الناس . بل على العكس فإن ذلك القدرة التي أقنعوا بها الناس لتجربة الماكروبيوتيك جديرة بالثناء والإطراء.ولكن ما هو مؤسف أنهم قد يقودوهم إلى اعتقادات افعل و لا تفعل التي لا تمت إلى المايكروبيوتيك بصلة و التي تستعبدهم لهذه الأفكار. و عندما يطلب من هؤلاء الأفراد التفكير لأنفسهم فإن ذلك النصح يقع على أذان صماء. هؤلاء الطلبة لم يأتوا ليكونوا آذان تعي وإنما أتوا ليقال لهم ماذا يأكلوا وماذا يشربوا وأي زر يجب الضغط عليه ليتماثلوا بالشفاء السريع.

إن الماكروبيوتيك ليس كذلك على الإطلاق و إنما هو طريقة حياة , فليست الحكمة في الوصول بسرعة وإنما العيش بوعي وحب.

الماكروبيوتيك الحقيقي هو الحرية مثل حرية الحياة . هذه الحياة , إنها الهدية الثمينة التي أعطيت لكل شخص ليعيشها كما يشاء وبحرية , كذلك التعلم والرغبة في التطور هدية ثمينة منحت من قبل خالق محب كريم .

إن القواعد الأساسية للماكروبيوتيك بسيطة ومعدودة. فأي شئ يبعدك عن بساطة هذا العلم قد يضلك و يستعبدك. تمسك بعقلية المبتدئ! حاول ألا تنجرف وراء عقائد و منطقيات تجعل من القواعد والآداب الأخرى كارثة! كن بسيطاً, حر وطليق.فالمنطق ليس حباً, القانون ليس حباً, إنما الحب هو الحياة , الحب هو الطريق الوحيد. حب نفسك , هذه هي الخطوة الأولى , ولتحب نفسك يجب أن تعرف من تكون! فأن تعرف هي الخطوة الأولى لتكون.هذا هو الوجود الإنساني , وهذه رحلتنا. لنمسك الأيادي حول الكوكب, أمنا الأرض و أينما نقف فثم أرضنا المقدسة.

الماكروبيوتيك ليس عقيدة أو دين , إنه التدين الموجود في القلب والحب للحياة.وهو ليس فكر تصوري بل إنه يتخطى ذلك البعُد. إنه عاجل وفوري , إنه التعويض والتكفير مع الحياة . هو والحياة لا يتجزأن إنه جوهر الحياة , الصحة , السعادة والحرية التي حاول البشر تعليبها وتغليفها ثم ألصقوا عليها المسميات. كل ما هو معلب و مغلف ليس الحياة و إنما سجن للأموات الذين ينتظرون الدخول إلى القبور لا للقبول.

الماكروبيوتيك هو الاختيار الحر. إذا أردت أن تعرف غني أغنية للحرية. غني للفرح , غني لجمال الطبيعة, لتعاقب الليل و النهار , للشمس والسحاب, للماء والهواء, للخلف و الأمام , للمغلق والمفتوح. كل باب يفتح فإنه يُغلق على الماضي . فكل بداية هي أيضاً نهاية. و بما أن المرض له بداية فله أيضاً نهاية. وكل ما ليس له بداية ليس له نهاية. ذلك هو الماكروبيوتيك


هل تتذكر جدتك , كيف كانت تطبخ , هل كانت تنظر في كتاب؟ أم أنها كانت تطبخ من قلبها؟ لقد رأيت العديد من النساء اللواتي ينظرون ويطبخون بدون أي كتاب , إذا أنظر و أطبخ و ألقي بالكتب. أنت الكتاب أنظر إلى الداخل , فداخلك هو المدخل الوحيد.

هذه هي قوة العيش و الحركة بتناغم مع نظام الطبيعة.هذا التناغم هو هدف الحب, الصلاة , التقديم والعديد من العادات و الآداب الشرقية . و هي أيضا هدف الماكروبيوتيك.

وكما قال جورج أوشاوا , إن بساطة تطبيق الماكروبيوتيك تكمن في أنه يمكن أن يطبقه أي شخص , أي مكان , كل يوم. فهو لا يتطلب وقتاً مخصصا مستقطعاً من يومنا لتطبيقه. إنه متكامل مع الحياة اليومية . لذلك فهو أفضل وسيلة للتطوير الذاتي. إنه التناغم الحقيقي للحياة و هو التزاوج بين الفلسفة والفن و الحياة اليومية.

بعد إتباع الماكروبيوتيك لأكثر من 35 عاماً , أعتقد أني بدأت أفهمه أكثر مما كنت قبل 10 سنوات , بل و أعتقد أني أفهمه اليوم أفضل من فهمي له قبل عام


الأشخاص الغير موفقين الذين يحاولون أن يكونوا أصحاء, إن تقديرهم مبني على أساس مسبق لاعتقادات خاطئة عن صحة أسلوبهم الحالي في الغذاء والحياة. ذلك التقدير الغير منطقي يمكن اعتبار أنه مبني على التحكيم الميكانيكي, الحسي و الوجداني.

وهناك من يدرس و يتعلم أكثر دون أ ن يطبق , قد يصل إلى نتيجة أن هذا العلم حسن المقصد لكنه يفتقد إلى القيمة الغذائية الكافية. هذا التقدير مبني على أساس التعلم المبني على التفكير الذهني . فهم قد استخدموا التحكيم العقلي لإجراء هذا التقييم على شئ غريب عنهم و لا يتداخل مع النموذج الخاص بهم.

ولكن التحكيم العقلي يتغير مع مرور الوقت , كلما أضيفت الحقائق والمعلومات مروراً عبر الوعي الاجتماعي. بهذه الطريقة, التحكيم الاجتماعي يؤثر على التحكيم العقلي و العكس صحيح . هذان المستويان من التحكيم يكونان جسراً للمستويات الأخرى و يسمحان بالتحول الذاتي الداخلي أن يحدث خلال المستويات الأدنى و الأعلى منهما.

لهذا السبب فإن التحكيم الاجتماعي يمكن أن يقيم الماكروبيوتيك بموضوعية أكثر من التحكيم العقلي .إن الأشخاص الذين استطاعوا ملاحظة الجزء الأكبر من سكان العالم الذين عاشوا بتفوق عبر العديد من الأجيال بتطبيق نظام الماكروبيوتيك يمكنهم تقبل هذا النظام بسهولة أكبر من هؤلاء الذين تحكم حياتهم المستويات الأربع الأولى من التحكيم.

إن مستوى التحكيم الفكري التصوري هو الذي يولد نظرية أو مبدأ الحقيقة. و الحقيقة لا يمكن تصنيفها. فمحاولة تصنيف الماكروبيوتيك و تعليمه على أساس فلسفي أو نظام فكري ما هو إلا تعبير عن التحكيم التصوري. هذا التحكيم يستعبد الشخص في نظام الفكرة.

مستوى التحكيم السامي أو السمو في التحكيم يحرر بالكلية. فهو يمكن الشخص من الاستمتاع بالحياة بسهولة وأمان. إنه يتقبل كل شئ بدون شروط أو قيود. إنه ممتن على كل شئ بدون تحفظ. فهو لا ينتقد أو يحكم بعدم الصلاحية. إنه يرى النظام الطبيعي في كل حدث. ويتقبل الكل بدون شروط.


إن المراحل الأولية في تعلم الماكروبيوتيك قد تكون غير مشجعة لما فيها من تعلم اختيار و إعداد لوجبات ماكروبيوتيك متوازنة وصحية. إنما الفائدة الإيجابية هي تغذية الجسم والجهاز العصبي حتى يتم التوازن في جسم خالي من الاتزان. عند ذلك الحد من الاتزان والتحسين في مستويات التحكيم , فإن التقدم يصبح سهل وعفوي. إن الوصول لمرحلة الحكمة الصادرة بعفوية هي رغبة الجميع للوصول إليها سواء أدركوا تلك الحقيقة أم لم يدركوها.فالحقيقة هي في كل قلب , والمحاضر الحقيقي هي قوتنا . لنستمع إلى صمتنا حيث تكمن الحكمة .

عندما تعود إلى الوضع الطبيعي , ستفهم ماهية الماكروبيوتيك. بعد ذلك إذا شعرت بالنزعة الداخلية فحاول أن توضحه للآخرين بمتعة واستمتاع.

الماكروبيوتيك هي نظام الكون. الله هو الكل ونظامه للحياة مبيني على قوتان هما , الين واليانغ , إيجابي و سلبي , ذكر وأنثى , ألفا و أوميغا, المسميات عديدة لكن المسمى واحد, لنعيش هذا النظام و نكون في نظام. هذه هي طريقة الحياة لنكون من نكون ونحيا كما نكون. معرفة نفسك هي أولى الخطوات في هذه الرحلة...... لتتشابك أيدينا و قلوبنا و نشفي حياتنا وأمنا الأرض ليحل السلام على الأرض. والسلام عليكم........

 

الرئيسية