فسيولوجيا السمنة


إن جسم الإنسان مبرمج للسمنة وهذه البرمجة لا تعني بالضرورة بأن الإنسان خلق ليكون سمينا، ولا تعني بأن الإنسان قادرعلى خزن الدهن في الجسم وبالتالي إمكانية حدوث السمنة. السمنة موجودة في جسم الإنسان الأول وهي بكل المقاييس حياة فطرية فرضتها الطبيعة مائة بالمائة شعارها البقاء للأقوى وبالطبع القوة تحتاج للطاقة، ولهذا السبب فإن جسم الإنسان لديه ميكانيكية معينة تخزن له الطاقة الفائضة عن حاجته اليومية، حتى يستطيع استخدامها لاحقا عندما يعجز عن إيجاد طعام يبقيه على قيد الحياة، وهذا كان شيئا طبيعيا في حياة الإنسان الأول لأنه كما سبق وذكرنا فإن الطعام كان شحيحا والحصول عليه كانت عملية محفوفة بالمخاطر لأن المنافسين على الطعام كانوا كثيرين ومعظمهم كان أقوى من الإنسان جسديا، وباختصار الإنسان الأول لم يكن نحيلا و إلا لما عاش في ظروف النحالة فيه تعتبر نقطة ضعف فسيولوجية لأن الظروف القاسية للإنسان الأول حكمت على الجسم بأن يكون جاهزا لأيام من الصيام الإجباري، كما وأن السمنة كانت أيضا نقطة ضعف فسيولوجية (ولا تزال لحد الآن) لأن السمنة كان معناها عدم القدرة على الحركة السريعة ولا حتى البطيئة لكن طويلة، وبعبارة أخرى سرعة الحركة والتحمل كانت مزايا بدنية لا يمكن للإنسان الأول أن يعيش بدونها في ظروف كانت وسيلة النقل الوحيدة فيه هي جسم الإنسان والحركة الدائمة هي ضرورة للمعيشة سواء للبحث عن الطعام أو الهرب من حيوان كاسر يبحث بدوره عن الطعام بما في ذلك الإنسان. باختصار، جسم الإنسان مهيأ فسيولوجيا لخزن الفائض من الطعام وبغض النظر عن نوع الطعام الفائض، لكن في نفس الوقت، جسم الإنسان مهيأ أيضا تشريحيا وفسيولوجيا لكي يتجنب ويمنع هذا الفائض من التراكم يوما بعد يوم بحيث يصبح هناك فرط في الطاقة المخزونة بالتالي حدوث السمنة.
الجهاز الحركي للإنسان كان ولا يزال صمام الأمان لمنع فرط خزن الطعام ومشكلة الإنسان العصري هو أنه تناول الطعام بإفراط وفي نفس الوقت أهمل جهازه الحركي فكانت النتيجة مرضا عصريا لم يعرفه الإنسان الأول والذي كان يتناول أضعاف كمية الطعام التي يتناولها العصري وهذا كان تصرفا حكيما لأنه لم تكن لديه ثلاجات تحفظ له الطعام لليوم التالي أو ربما لأسبوع، وبالتالي التهم الإنسان الطعام حتى بعد مرحلة الشبع لأنه كان يعلم بأن قد يمضي وقت طويل قبل حصوله على وجبة أخرى يلتهمها وكالعادة بإفراط لأن فرط الأكل في ذلك الوقت كان لصالح الإنسان لأن حياته اعتمدت على وجود الطاقة. باختصار، السمنة مرض عصري ليس سببه فرط الأكل كما يظن الكثيرون ولكنه بسبب فرط الكسل وعدم استخدام جهاز الحركة وهو صمام أمان الوقاية من السمنة وبدليل أن الشخص الرياضي وبشكل خاص رياضي سباقات التحمل، يأكل ضعفي أو ثلاثة أضعاف كمية الطعام التي يأكلها الشخص العادي(الكسول) ومع هذا جسمه متناسق وجميل في شكله الخارجي بعكس جسم الإنسان الكسول والذي وإن كان يتناول طعاما أقل لأن جسمه أبشع منظرا ومن مختلف زوايا النظر للمقاييس ومعايير جمال شكل الجسم الخارجي.

جهاز السمنة في جسم الإنسان
إن مواد الطاقة الرئيسية ثلاث ومنها الدهون، إن الدهون تقوم بمجموعة من الوظائف الهامة في الجسم ومن ضمنها كونها أي الدهون طاقة احتياطية يتم تخزينها في الجسم لاستخدامها في حالات خاصة مثل انقطاع الطعام عن الجسم( لأي سبب كان) وأيضا في حالات وجود طلب شديد على الدهن كما في حالات الحركة المستمرة لمدة طويلة.
والسؤال هو : لماذا يقوم الجسم بخزن ما يفيض عن حاجة الجسم من السعرات الحرارية(مواد غذائية) على شكل دهن ولماذا يخزن الدهن تحت الجلد وليس في مكان آخر؟
الجواب على الشق الأول من السؤال يتلخص بالقول بأن مبدأ الفعالية الذي يعمل به الجهاز العصبي أوجب أن يكون شكل الخزن( خزن السعرات الحرارية) هو الدهن لسبب بسيط وهو أن كل غرام من الدهن يستوعب تسعة سعرات حرارية في مقابل أربعة سعرات في كل غرام من الكربوهيدرات والبروتين، إذن من ناحية اقتصادية فإن الخزن على شكل دهن يحدد كثيرا من مساحة الجسم المطلوبة للخزن، وفي الواقع، فإن لو يكن الأمر كذلك، لكان شكل جسم الإنسان الخارجي أضخم كثيرا من حجمه الحالي وأثقل وزنا لأن خزن الكربوهيدرات والبروتين (في العضلات) يحتاج إلى كميات كبيرة من الماء وبالتالي وبفضل مبدأ الفعالية فإن تضخم الجسم فقط مقصور على حالات زيادة حجم العضلات بالتدريب والتغذية السليمة وعلى حالات فرط خزن السعرات الحرارية أي السمنة.
بالنسبة للشق التالي من السؤال: فإن كون منطقة أسفل الجلد هي مكان خزن الدهن تضمن للجسم أكبر مساحة ممكنة للخزن ( في الواقع الجسم كله )، لأن الجلد بحد ذاته هو النسيج الضام الخارجي للجسم كله، وبالتالي يتوزع الدهن المخزون على مساحة أوسع من الجسم وبالتالي لا يتغير شكل الجسم الخارجي إلا إذا زاد الخزن في مكان محدد من الجسم أو إذا كان الفائض من السعرات الحرارية (الدهن) كبيرا إلى درجة الحاجة لجميع مساحة الجسم للخزن وبالتالي فإنه في هذه الحالات يحدث نوع السمنة الذي يسمى بالسمنة الشاملة أي انتفاخ جميع أجزاء الجسم تحت الجلد بما فيه الرقبة والوجنتان( الخدان ) وهي آخر المناطق التي يلجأ إليها الجسم في خزن الدهن ولا تحدث إلا في حالات عدم بقاء مساحات للخزن في أجزاء أخرى من الجسم بسبب امتلائها لأقصى درجة أي على الآخر كما يقولون في العامية.
بالمناسبة، تضخم الجسم كله بسبب السمنة، يعتبر أسوأ حالات السمنة، وأصعبها علاجا وفي حالة العلاج فإن الهدف ليس تجميل الجسم وإعادة الرشاقة إليه لأنه ببساطة مستحيل ولكن هدف العلاج هو منع تعرض الصحة للخطر الشديد والذي يكلف السمين حياته إذا استمرت السمنة لمدة طويلة بسبب أمراض ضغط الدم والسكري وآلام المفاصل وبالطبع أمراض القلب الناتجة عن السمنة.
على أي حال، فقط 50% من الدهون في جسم الإنسان تكون مخزونة أسفل الجلد بينما تخزن حوالي 45% منها في منطقة الأحشاء الداخلية مثل القلب والكبد والكليتين والمعدة. أما البقية وهي نسبة 5% فتخزن مع العضلات، أما جهاز الخزن تحت الجلد أو أي منطقة أخرى، فهو النسيج الدهني والذي يقع أسفل الجلد وفي الواقع هناك نوعان من الأنسجة الدهنية في الجسم هما :
1- النسيج الدهني الأبيض.
2- النسيج الدهني البني.

ومع أن كلا من النسيجين يقومان بنفس الوظائف وهو تصنيع وخزن الدهن إضافة لتعبئة وتجهيزه للاستخدام كمصدر إلا أن الفرق بين النسيجين كبير من حيث تأثيرها على السمنة حيث أن النسيج الدهني الأبيض إذا زادت نسبته في الجسم فإنه يؤدي للسمنة بينما إذا زادت نسبة النسيج الدهني البني في الجسم فإن الجسم يصبح نحيلا ويقاوم بشدة حدوث السمنة.
ومع أن كثيرا من المراجع الفسيولوجية تقول بأن هذا النسيج الدهني يختفي من الجسم بعد سن البلوغ إلا أن هناك آراء مضادة تفيد بأن النسيج الدهني البني لا يختفي من الجسم وبدليل أن تشريح جثة رجل عمره ثمانون سنة أثبت وجود النسيج الدهني البني في الجسم حتى ذلك العمر.
إذًا النسيج الدهني الأبيض هو جهاز خزن الدهن في الجسم، وفيما يلي شرح مفصل لتركيب هذا النسيج.


النسيج الدهني الأبيض
نظر الكثير من العلماء إلى النسيج الدهني الأبيض (WAT ) على أنه نسيج خامل ويعمل فقط كمستودع لخزن الدهن، ليس إلا، وبسبب هذا الاعتقاد، فإن الأبحاث العلمية حول هذا النسيج كانت قليلة، على أي حال وبسبب ظهور مرض السمنة والمخاطر الصحية والنفسية المترتبة عليه، فإن اهتمام العلماء بالنسيج الدهني أصبح جديا وبالتالي تركزت حوله كثير من الأبحاث العلمية أظهرت معلومات جديدة عن هذا النسيج تثبت أنه ليس نسيجا خاملا ولكنه نسيج متفاعل مع بقية وحدات الجسم وجوره(أي النسيج الدهني)، يعتبر أساسيا في أعمال الهدم والبناء التي تتم في الجسم. فيما يلي أهم مواصفات وخصائص النسيج الدهني الأبيض:
1- النسيج الدهني ليس مجرد كتل من الجليسيرات الثلاثية ولكنه نسيج هام يتكون من خلايا تسمى Adipocytes والتي يبلغ تعدادها حوالي ثلاثين مليار خلية (3×10 9 ).
2- هذه الخلايا إذا فصلناها عن النسيج الدهني باستخدام إنزيم Collagenase فإنها تصبح ذات شكل مخروطي ( أسطواني).
3- حجم الخلية وتركيبها يعتمد على الحالة الغذائية للخلية ولكن معدل محيط الخلية الواحدة هو حوالي مائة وحدة دولية 100U أي جزء من عشرة من المليمتر( 0.1mm).
4- من حيث محتوى الخلية فإنها عبارة عن كرة دهنية صغيرة تحتل معظم مساحة الخلية بينما الجزء النشط من الخلية وهو السبتوبلازم يحتل موقعا ضيقا وصغيرا حول الكرة الدهنية وشكل سبتوبلازم الخلية فقط 5% من حجم الخلية والباقي كرة دهنية صغيرة.
5- هناك اعتقاد قوي بين العملاء بأن النسيج الدهني إضافة إلى احتوائه على خلايا دهنية، فإنه أيضا على خلايا دهنية غير مكتملة النمو تسمى Pteadipocytes وهذه الخلايا غير المكتملة النمو تأخذ شكل الخلية الدهنية العادية فقط عندما تمتلئ بأكملها بالدهن .
6- الخلية الدهنية العادية(عند الأفراد غير المصابين بالسمنة) تتكون من المواد التالية:
أ - جليسرات ثلاثية 60-90%.
ب - ماء 15-30%.
ج - الجزء الخالي من الدهون والماء 1-12%.
(الجزء الخالي من الدهن والماء هو عبارة عن الخلية الأخرى مثل الميتوكونريا والنواة).
7- الوظيفة الرئيسية للخلايا الدهنية البيضاء هي إما خزن الدهن على شكل جليسيريدات ثلاثية، أو طرح الدهن المخزون فيها للدم كنتيجة استخدامه كمصدر للطاقة من قبل خلايا الجسم الأخرى، وهناك أنزيمات خاصة في الخلية الدهنية نشاطها هو الذي سيحدد فيما إذا كان الدهن سيتم طرحه أو خزنه في مجرى الدم ليكون مصدر طاقة لسائر خلايا الجسم.
8- 50% من الأنسجة البيضاء توجد خلف الجلد، 45% في الأحشاء، ثم 5% في العضلات

 

الرئيسية